nidadil المراقب العام
Number of posts : 280 Age : 38 Registration date : 2007-01-14
بطاقة الشخصية نقاط التميز العضو: 37 نقطة تميز عدد الاوسمة: 4
| Subject: ~|القانون الجزائي الاقتصادي|~ Sun Jan 14, 2007 10:53 am | |
| إن النشاط الاقتصادي وجه من أوجه نشاط الفرد وربما أكثر هذه النشاطات فعالية في حياة الجماعة، ولكنه من أصعبها ضبطاً إذ أن أمر احتوائه ضمن أنظمة تفصيلية من شأنه أن يكبله ويحد من اندفاعه، كما أن أي سلطة تعجز عن استباق أوجه النشاط الاقتصادي فلا تتمكن غالباً من الوقوف على سلبياته إلا بعد تحققها. إلا أنه ورغم هذه المحاذير فإن القانون الجزائي كان لابد له من دخول الميدان الاقتصادي كوسيلة وقاية من سلبيات النشاط المضر وكرادع للتجاوزات خاصة وأن الاعتقاد السائد كان يرى أن الحماية التي توفرها فروع القانون الأخرى كالقانون المدني ذات مردود اجتماعي ضعيف-، وعدم الفاعلية النسبية للجزاء المدني سيؤدي إلى التسليم بالأمر الواقع أمام محترفي الخداع. وبالتالي يبقى القانون الجزائي وحده بفضل قائمة عقوباته الرادعة قادراً على معالجة عدم كفاية الجزاءات المدنية والإدارية فالقواعد الآمرة تصبح عديمة الجدوى ما لم تكن مدعمة بالجزاءات، ومن الضروري أن يتم هذا التدعيم عن طريق الجزاءات الجنائية، فالقانون الجزائي هو حارس القوانين الأخرى وانطلاقاً مما سبق دخل القانون الجزائي الميدان الاقتصادي، لكن هذا الدخول لم يمر دون القيام بأقلمة للقواعد التقليدية حتى تتناسب والميدان الجديد الذي ستنظمه وتحميه، مما أدى إلى ظهور قواعد جديدة غير مألوفة في القانون الجزائي التقليدي، دفعت إلى الحديث عن بدء نشوء فرع جديد هو القانون الجزائي الاقتصادي، فما هو مفهوم هذا القانون؟ وما هي تأثيراته على النظرية التقليدية للقانون الجزائي؟ وخاصة ما يتعلق منها بالمسؤولية الجزائية حيث بدأت تظهر في هذا القانون مظاهر توحي بأنها نوع من الرجوع إلى الماضي.
تحديد مفهوم القانون الجزائي الاقتصادي يمكن القول بأن تحديد مفهوم القانون الجزائي الاقتصادي باعتباره فرعاً ناشئاً من القانون أثار جدلاً كبيراً بين الفقهاء.تمحور حول تحديد نطاق هذا القانون بين اتجاه ضيق وآخر واسع.
الاتجاه الضيق في تعريف القانون الجزائي الاقتصادي
يربط دعاة هذا الاتجاه يربط القانون الجزائي الاقتصادي بالقانون المتعلق بالمنافسة والأسعار
فالجريمة الاقتصادية هي كل فعل أو امتناع يخالف قواعد المنافسة وتحديد الأسعار. إلا أن هذا التعريف الذي يربط بين القانون الجزائي الاقتصادي وقانون المنافسة والأسعار راجع لما كان يعتمده بعض المشرعين، كالمشرعين الفرنسي لسنة 1945 والتونسي لسنة 1970 في تسمية القانون المتعلق بتنظيم المنافسة والأسعار بأنه القانون "المتعلق بزجر المخالفات في الميدان الاقتصادي" إلا أن كلا المشرعين قد ألغيا هذا القانون (فرنسا سنة 1986 وتونس 1991) وعوضاه بقانون يحمل تسمية جديدة وهي قانون المنافسة والأسعار، أي أن الحجة المستمدة من موقف المشرع سقطت، إذ أن المشرع نفسه قد رأى تجاوز القانون الجزائي الاقتصادي لميدان المنافسة والأسعار وهو ما دفع بالبعض إلى اعتماد معايير أخرى.
الاتجاه الموسع في تعريف القانون الجزائي الاقتصادي
أما انصار هذا التوجه فإنهم يعرفون القانون الجزائي الاقتصادي بأنه القانون الذي يعالج صور التجريم والعقاب المخصصة لضمان عدم مراعاة قواعد القانون الاقتصادي، أي الاعتداءات التي تقع على النظام الاقتصادي الذي قررته السياسة الاقتصادية للدولة فهو القانون الذي يعاقب على الأفعال التي تتعارض مع السياسة الاقتصادية للدولة. واعتماداً على ما سبق، يمكن تعريف الجريمة الاقتصادية بأنها "كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للقواعد المقررة لتنظيم أو حماية السياسة الاقتصادية للدولة…".
ويقصد بالسياسة الاقتصادية بصفة عامة، كل ما يتعلق باتخاذ القرارات الخاصة بالاختيار بين الوسائل المختلفة التي يملكها المجتمع لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية معينة، وبالبحث عن أفضل الطرق الموصلة لتحقيق هذه الأهداف. فهي خير السبل والوسائل التي يجب أن تتبعها السلطات العامة للوصول إلى هدف معين أو غاية محددة.
فهي إذن الوجه الاقتصادي للسياسة الحكومية بالمعنى الواسع وهي التدخل الحكومي في الشؤون الاقتصادية بقصد الوصول إلى هذه الأهداف. والسياسة الاقتصادية ترسمها الدولة بقوانين أو مراسيم أو قرارات، كالتشريعات المتعلقة بالتخطيط والتموين والتصنيع والتأمين والتجارة والبيئة وغيرها.
وتختلف هذه السياسة باختلاف النظام الاقتصادي الذي تتبعه، حيث يسود الفقه حالياً التقسيم الذائع للنظام العام الاقتصادي الذي قال به العميد كاربونيه Carbonnier بين نظام عام اقتصادي حمائي ونظام عام اقتصادي توجيهي.
فالدولة إما أن تنتهج سياسة اقتصادية توجيهية أو أن تنتهج سياسة اقتصادية حمائية وفي الحالتين كلتيهما فإن ذلك سيكون له تأثير على نظرتها للقانون الجزائي الاقتصادي، إلا أنه أصبح من الصعب اليوم التسليم بوجود سياسة اقتصادية تعتمد أحد النهجين دون الآخر حيث أصبح الغالب هو الدمج بين التوجهين في إطار سياسة اقتصادية موحدة تهدف إلى حماية اقتصاد الدولة. | |
|